السلام على أخرى.. (نص نثري قديم)

 موسيقى


أبَت المليحة إلاّ أنْ تروم
(1) عنّي، وإثر الهوى للتوَّ بالقلبِ نافذُ.. فمضى بعد إملاقٍ(2) بالحديث ناقصُ.. فرامت إلى قلبي أُخرى ظبيّةٌ، تسهد عيني بها وتؤرّقُ، لم تكن كالمليحة ذو جسدٍ غائرُ، سوى أنّ عينها سهمٌ يصيب القلب ويخدشُ..
فلاحت
(3) عليّ أخرى جميلةٌ، اللعنة كم انا متناقضٌ.. أمَا ندرك المعاني بالنقائضُ؟
قد سئلت نفسي وأجابت نفسي، خُذ ما يحلو من الهوى، للهوى منفذٌ للبَدِن سيّارُ..
ذعنت، ولم لا أذعنِ؟ وقد مسّ الناس فتْرٌ
(4) للجمال المحلّقِ..
متّعتُ قلبي للجمال ولم أقِف، والوقوف يصعبُ حينَ التجرّب، لعلّي أقصُّ شذرات على قَصْرٍ، واللبيب بالاشارة يفهم..

أقْبَلت صهباء قاتمٌ فاهها، كالورد تَفْشِي العِطر حينَ تُقَبِّلُ، فانحنت وبانَ جسدها، تميلُ ميلَ العَلِم المرفرف، نُحَيِّ الأعلام وهي مرتفعةٌ ونفخرُ برمْزهِ الذي يتوسّطُ، فيا رمْزاً قد بَرِحَ بجسدها، ويا عَلَمَاً رفَع قضيبي ليَحُييهِ.. دامَ احمرارك وروْج التقابيلِ..

مضى الوِدُّ وكيفُ يدوم..

ودعجاء(5)  قد دفعتني بعد النفور المنقطع، على السرير تخيّل نظْرَةَ حالي.. فانكشفت ذوائب(6) شعرها من قُبْلُ(7)، كنور القمر باللون يسْفرُ، فتجرّدت عاريةً عاضّةٌ فاهُها، وأغرتني عن العدول بالهجر..

مضى الودُّ وكيف يدوم.. 

كحلاءٌ(8) مشدودٌ عينُها، إذا آهت حفزّت قوة النّهمِ، لم أرَ للرأفة موضِعٍ، فلا أكبح ذروة غادية (9) تصِلُ بالعنفِ.. 

أبَت المليحة إلاّ أنْ تروم عني، ورضِيَ القلب للمضي والسلامُ على أُخْرَى..



_____________________________________________________________________________

  1. تروم عني: تبعد عني
  2. إملاق: أي فقر = حديث فقير وناقص
  3. لاحت : ظهرت
  4. فتر : ضعيف - خامل
  5. دعجاء : عينٌ شديدة الاتساع مع السواد
  6. ذائبة : خصلة الشعر
  7. قبل : بمعنى الأمام
  8. كحلاء: عينٌ بجفونٍ سوداء.
  9. غادية : الجميلة ذو الرّقة والنعومة




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في ذمّ القُرّاء

سِر (قصة)

اللحظةُ المُرادة (قصة)