يظلُّ أملاً (مقال)

 رابط موسيقي



لقد كانَ منذ الأمد، ومنذ الأزمنة الطويلة، أننا علِقنا في سرب النجوم حينما يتعلق الأمر بالأمل، ضوءٌ خافتٌ نتشبث به، ولكن، لمْ نلق في اذهاننا ابدا، أنّ في غسْق الظلام مكانٌ.. ربما.. يحتوي بلونه الخاص على الأمل..

ولكَ في الكونِ الفسيح على مد البصائرُ، ذلك الوجود الأعظمُ.. ظُلْمةٌ تَغْشَى الحياة بأسرها، ويتخلل نور النجوم في كبدها..

إن الانوار تشرقُ عبْر الظلمات، لكنها لا تفعل إلاّ لإنها تشير لنا وتخبرنا: ذلك لون الامل! تلك هي الحقيقة المُرّة، التي تغشانا كل يوم، وكل دقيقةٍ وثانية، لكننا.. لا ننصت، لا نفهم.. بل قيدنا العقول بلونٍ واحدٍ في كون يحتوي على العديد من الألوان، التي تَبهَجُ بالأمل..

وكما قيل" لو لم يكن الليل، لكنا بقينا مقصورين عن رؤية عظمة الصورة للسماء ذات النجوم، وهكذا يجرّدنا الضوء من بعض الرؤيا، والظلمةُ تساعدنا على رؤية الأشياء!"

وكما كنتُ اوغل في ذهني تكلفاً: وفي الظلام لعبرات يضمحلها الضوء، وفي الظلام لصوتٌ، قدّه الضوء وأخْفَتَه، وإن من الظلام لسكينة تراعي كيان الانسان وحزنه..

نستيقظُ في رحى الحياة وأنينُها، ونلتقي في ظلّ مسيرنا بأضواءٍ بألوانها الشتّى، لكننا، وفي نهاية المسيرة.. نسْتبق للنوم الذي يبهت الألوان حتى تميل الى لونٍ واحد.. اسودٍ خالص.. بل أحيانا تنعدم من الألوان..

حياة بلا ألوان تمسي كل ما نتمناه..

وقرص الشمس ما هو إلاّ لهيب، يتأجج، إذا أُختُلّ او رقى، هَلِكنا الى الابد، بالرغم من استناد البشر على وجهه الناصع في وصف الجمال، كُرُةٌ لهيبة محْرِقة، تعبّر عن جمال الكون!

يا للسخرية..

 والليل في ذاته، يغشى ما وراء هذا القرص المضّطرم، معبّراً عن كيانات متفاوتة، وكواكب متناثرة، إن الظلام لا يقول إلاّ: انظُر في اتساع الكون الجليل وابتهِج! انظُر! لمعنى الجمال المعبّر عن ألفِ كون، قابعٌ في خُلِّ لون واحد.. 

وانظُر للشمس، الطامسة لحقائق الالف الكون، والتي تريدك من كل الاكوان، هي فحسب.. إنها لا تطمس الحقائق فقط، بل تطمس الجمال الوجودي..

 وكيف كنّا نرى الحق بدون الظلام؟ كيف نرى النور بدون الظلام؟ وكيف لا نغفل عن حقٍ اضعناه في انبعاث النور..؟

ومن يلاطف المكلوم سوى الليل الحاني.. الذي يحنّ حتى في شكله ممثّلاً حالة المكلوم.. إن الليالي تلاطفنا، وتربِتُ على اكتافنا، وتضفي من رفاهية الحياة ما يماثل حالتنا النفسية.. فأجواء أغنية في الليل ليست كأجواء أغنية في شرقة الصباح..

ومن يخفي الدموع الشّجية غير الليل الشفيق؟ رَفِيقُ دربٍ في المواساة ينحني..

لكني.. كما قلتُ آنفاً: أحاولُ تكلفاً ان الِجَ فكرة الظلامِ هذه الى رأسي.. وادفع من اليأس ما يفنيه ابداً..

وأدفع من الفكرة ما يوغل لبّها الى وَهَجَي، حتى أعيش على طلالها، وأنعم من رغدها، وأنفق من ذاتها ما يلبّي نداء الضمير الذي يصرخ: غيّر مجرى العالم!

ثمّ.. اضحك.. وابتسم.. قائلا في نفسي: غيّر مجرى العالم؟ 

ثم انظر الى الكون في دجى الليل وانا هائم في صحراء، ممددٌ على بِساط التربة الناعمة.. واهذوا بين نفسي.. حتى اشعر.. واردد مشيراً الى السماء:

يا أيّها النجمُ البعيدُ الخافتُ، أَنَرْتَ بسمةَ الحياة في قلْب ضائعٍ، وسط غيهبُ.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في ذمّ القُرّاء

سِر (قصة)

اللحظةُ المُرادة (قصة)