في ذمّ القُرّاء
موسيقى لقد هبّ في أذهانِ الناس تصوّرٌ عجيب، يُبيّنُ نزعةٌ في ظاهرها الحق وفي باطنها الفساد، أو هي مثلبة تتظاهر بالمنقبة. لقد بَسَط القرّاء في اذهان الناس أن الشيء بالشيء يُذكَر، وان ما يتلوهُ عليهم هو جُلَّ ما يُفطَن، فقد عَظِمَت نفوسهم حتى باتوا ينظروا للعامة نظرَةَ البصير للأعمى، والغني للفقير. سوى أن ما نالوهُ وما نهَلوه، لم يكن سوى قطْرةً من لجِّ بحرٍ عظيم.. بيْد أنهم تعاموا فعمَوا أبداً، بيْد أنهم نهجوا منهاج ضوءٍ رام بصيصه فلزِم البصيص ولم يفشى ضوءهُ أركان الحياة.. إنما يصقلُ السيف ليُضرَب، لا لأجل الزيّنة والبهاء، بل لحزِّ ما يمنع بِه البلوغ، وتؤثر بهِ النفوس، وإنه ليمدّ مداً طويلاً، وتترسخ فيه ديمومة الأعداء، وتبرق دمائهم، فكذا تاريخٌ يُكتَب وحياة تُسطَر ووجودٌ يُكشَف! ومنهم من جارَ حتى ظَنُّ أنه فَطِن، وفار ذكائه، فانتهى الى هلاكه دونَ ادراكه، ألاَ وإنما قد تلَف الانسان بظنونهِ، وثبات ظنونهِ هو ثبات جنونه، وقد آلت ظنونه الى ثبات علْمِه، وتفلسفِ نُطْقِه، فلا يرى إلا ما يرى، وقد تشعّبت أفكار الحياة كلها وتناثرت، ولا يكاد ان يتحسس أثَرَها لِما فيهِ من آفة.. وأوشكت الر...