المشاركات

في ذمّ القُرّاء

  موسيقى لقد هبّ في أذهانِ الناس تصوّرٌ عجيب، يُبيّنُ نزعةٌ في ظاهرها الحق وفي باطنها الفساد، أو هي مثلبة تتظاهر بالمنقبة. لقد بَسَط القرّاء في اذهان الناس أن الشيء بالشيء يُذكَر، وان ما يتلوهُ عليهم هو جُلَّ ما يُفطَن، فقد عَظِمَت نفوسهم حتى باتوا ينظروا للعامة نظرَةَ البصير للأعمى، والغني للفقير. سوى أن ما نالوهُ وما نهَلوه، لم يكن سوى قطْرةً من لجِّ بحرٍ عظيم.. بيْد أنهم تعاموا فعمَوا أبداً، بيْد أنهم نهجوا منهاج ضوءٍ رام بصيصه فلزِم البصيص ولم يفشى ضوءهُ أركان الحياة.. إنما يصقلُ السيف ليُضرَب، لا لأجل الزيّنة والبهاء، بل لحزِّ ما يمنع بِه البلوغ، وتؤثر بهِ النفوس، وإنه ليمدّ مداً طويلاً، وتترسخ فيه ديمومة الأعداء، وتبرق دمائهم، فكذا تاريخٌ يُكتَب وحياة تُسطَر ووجودٌ يُكشَف! ومنهم من جارَ حتى ظَنُّ أنه فَطِن، وفار ذكائه، فانتهى الى هلاكه دونَ ادراكه، ألاَ وإنما قد تلَف الانسان بظنونهِ، وثبات ظنونهِ هو ثبات جنونه، وقد آلت ظنونه الى ثبات علْمِه، وتفلسفِ نُطْقِه، فلا يرى إلا ما يرى، وقد تشعّبت أفكار الحياة كلها وتناثرت، ولا يكاد ان يتحسس أثَرَها لِما فيهِ من آفة.. وأوشكت الر...

لقد أنصَتت..

  عازف يسرد نهاية بلاده: "إنما جرى في بلادنا في هذا اليوم النِّحس، هو انحدار في كينونة نفوسِنا العزيزة، بعدما كنّا نعلَم من نحن، بِتْنا نطلب الغرباء ان يحثّوا التراب عنّا حتى يعلمونا.. تفاقمت الأمراض حتى فُجَّت الأرض عن عرَضٍ نجَم عن ذريعة بَعْثِنا للبلاء، فأمرضْنا الأرض وأسقمناها، ولم تبدُ في حاجةٍ ليدانا سوى إننا أولجنا ما فينا عليها، كل شيء نلمسه، كل شيء!.. يضحى دنَوِّ النهاية.. لقد طارت العصافير في سرابٍ عظيم، تبِعتها فصائل من جميع أنواع الحيوانات، ولكنّ الناس نِيام بما رأوا، بل إنهم لفي سكرةٍ عن نُذُرٍ يتبدّى من كائنات أدْنى.. إنها تنادي، وتروم عن مقر البلاد، وتعِدُ بالفراق، وتلجأ للفرار.. تساقطت الأمطار عن وابلٍ حام.. لم تفتح السماء مياهها على الوجود كُلٍّه بماء حار، وقد بصرتُ على تربة الأرض، وهضابها، وسهولها، لقد أشعلت المياه النيران بعدما كانت سبباً لإطفائِها.. والناس لا يزالوا.. نِيام..   موسيقى إن الكون كله ينادي، اهرب!   يصرخ.. انجو!   يبكي: أحْيا.. على ما بدى من تلك العلامات والاشارات، حتى حالت الى أسوءِ أحوال، حتى غمرت الامطار كل شيء، وجرّت ك...

ذِكرى مورّقِة

موسيقى   يسرد السارد:   "في أحدِ الكُتَل الأرضية التي لبَدت الأشجار والنباتات فيها وفي كل مكان، بل وحتى اخترقت مُنسابةً بين ثنايا جدران المباني الصدئة، إلى أنّ صدوعها باتت تخرج منها ورود الياسمين، فاشيةً عنها عبَقاً يضوع الأزقّة، فالأمْكنة، فالأرجاء، تنزع الهمَّ ما ينزعهُ هو ذاتَه بالأمَل.. تهطل الأمطار فتصيب الأرض، فترتج، فتحمل مياهها الى مجرى موصّلٌ للأودية، كأنّها تعيد ما كانت عليه سالِفاً، وتؤوب عن الكوارث التي مضت بفعل الإنسان، الذي ما فتئ ماضيًا فاتِكاً بأي شيء يلمسه، فيحيلهُ من حالٍ الى حال.. اكتبُ في مذكراتي آثاراً قد تمحو عن اواخرها في ذاكرة التاريخ.. فلا يشفع في الوجودِ شيءٌ كخمودِ نيرانٍ كانت في أصلِها نورٌ، تُرشِدُ وتُجيب.. لقد مرّت على الكارثة أكثر من ثلاثين سنة، والعالَم مخملٌ في ذاته، والناس إمّا مقاومين، او.. متحولين.. انتشر الوباء الفيروسي حتى قضى على معظم سكان الأرض، فتبقى من تبقى على أثارةٍ من حديد، فصار الأبن يقتل اباه المتحول الى كائن لا يهمه سوى ان يقتات على أي شيءٍ متحرك، بات ميّتاً، لكن الفيروس يحرّكه.. فتبدلت الأحوال، حتى الأخلاق، حتى الأفع...

مزجٌ يُطاق (قصة)

  رابط موسيقى    لقد أَحَسّ امرؤ القيس بدنوا أجَلِه عند ظعنه الى القسطنطينية، بعدما مكث عند قيصر في قصره البجِل، ولمّا اطمأنت نفسه ثم ارتحل، إذ بإشاعةٍ تنتشر عنه على أنّه يَكِنُّ الحبّ لأبنة القيصر.. فضاق قيصر، وأمَر بقتله بطريقته الخاصة، فرسل سُـترةً مسمومة كهدية، فتقبّلها بقبولٍ حسن، ولبَسِها، وارتحل سفراً، دون ان يعي بقرب ارتحال أجَلِه.. فلما خابت الدنيا في عينه، وبدأت السموم تتسرب في جسده، وتذبذب حركته، قُرِحَ جسده، وثَقُلَت نفْسهُ، فشَعَر بالمنيّة.. ولكن، بينما هو سائراً على أحد التلال، إذ رأى قبراً في قمته.. فسأل عن الميّت، فعلِم إنه لامرأة لا يُعرف عنها شيئاً.. مجهولةً وسط القمة.. ففكر قليلاً، واستلقى بجانب القبر، ناظراً فيها بألمٍ معلول.. فأنشد: أجارَتَنا إنَّ الخُطُوبَ تَنوبُ وإني مُقِيمٌ ما أقامَ عَسِيبُ أجارَتَنا.. إنّا غَرِيبَانِ هَهُنَا وكُلُّ غَرِيبٍ للغَريبِ.. نَسيبُ فإن تَصِلِينَا فَالقَرَابَةُ بَيْنَنَا وإنْ تَصْرِمِينَا ..فالغَريبُ غريبُ أجارَتَنا ما فاتَ لَيْسَ يَؤوبُ ومَا هُوَ آتٍ في الزَّمانِ.. قَرِيبُ ولَيْسَ غريباً مَن تَناءتْ ديارُهُ ولكنَّ مَنْ وا...

يظلُّ أملاً (مقال)

  رابط موسيقي لقد كانَ منذ الأمد، ومنذ الأزمنة الطويلة، أننا علِقنا في سرب النجوم حينما يتعلق الأمر بالأمل، ضوءٌ خافتٌ نتشبث به، ولكن، لمْ نلق في اذهاننا ابدا، أنّ في غسْق الظلام مكانٌ.. ربما.. يحتوي بلونه الخاص على الأمل.. ولكَ في الكونِ الفسيح على مد البصائرُ، ذلك الوجود الأعظمُ.. ظُلْمةٌ تَغْشَى الحياة بأسرها، ويتخلل نور النجوم في كبدها.. إن الانوار تشرقُ عبْر الظلمات، لكنها لا تفعل إلاّ لإنها تشير لنا وتخبرنا: ذلك لون الامل! تلك هي الحقيقة المُرّة، التي تغشانا كل يوم، وكل دقيقةٍ وثانية، لكننا.. لا ننصت، لا نفهم.. بل قيدنا العقول بلونٍ واحدٍ في كون يحتوي على العديد من الألوان، التي تَبهَجُ بالأمل.. وكما قيل" لو لم يكن الليل، لكنا بقينا مقصورين عن رؤية عظمة الصورة للسماء ذات النجوم، وهكذا يجرّدنا الضوء من بعض الرؤيا، والظلمةُ تساعدنا على رؤية الأشياء!" وكما كنتُ اوغل في ذهني تكلفاً: وفي الظلام لعبرات يضمحلها الضوء، وفي الظلام لصوتٌ، قدّه الضوء وأخْفَتَه، وإن من الظلام لسكينة تراعي كيان الانسان وحزنه.. نستيقظُ في رحى الحياة وأنينُها، ونلتقي في ظلّ مسيرنا بأضواءٍ بألوانها الش...

السلام على أخرى.. (نص نثري قديم)

  موسيقى أبَت المليحة إلاّ أنْ تروم (1)  عنّي، وإثر الهوى للتوَّ بالقلبِ نافذُ.. فمضى بعد إملاقٍ (2)  بالحديث ناقصُ.. فرامت إلى قلبي أُخرى ظبيّةٌ، تسهد عيني بها وتؤرّقُ، لم تكن كالمليحة ذو جسدٍ غائرُ، سوى أنّ عينها سهمٌ يصيب القلب ويخدشُ.. فلاحت (3)  عليّ أخرى جميلةٌ، اللعنة كم انا متناقضٌ.. أمَا ندرك المعاني بالنقائضُ؟ قد سئلت نفسي وأجابت نفسي، خُذ ما يحلو من الهوى، للهوى منفذٌ للبَدِن سيّارُ.. ذعنت، ولم لا أذعنِ؟ وقد مسّ الناس فتْرٌ (4)  للجمال المحلّقِ.. متّعتُ قلبي للجمال ولم أقِف، والوقوف يصعبُ حينَ التجرّب، لعلّي أقصُّ شذرات على قَصْرٍ، واللبيب بالاشارة يفهم.. أقْبَلت صهباء قاتمٌ فاهها، كالورد تَفْشِي العِطر حينَ تُقَبِّلُ، فانحنت وبانَ جسدها، تميلُ ميلَ العَلِم المرفرف، نُحَيِّ الأعلام وهي مرتفعةٌ ونفخرُ برمْزهِ الذي يتوسّطُ، فيا رمْزاً قد بَرِحَ بجسدها، ويا عَلَمَاً رفَع قضيبي ليَحُييهِ.. دامَ احمرارك وروْج التقابيلِ.. مضى الوِدُّ وكيفُ يدوم.. ودعجاء (5)   قد دفعتني بعد النفور المنقطع، على السرير تخيّل نظْرَةَ حالي.. فانكشفت ذوائب (6)  شعر...

ران (قصة)

    (ران).. اسم البذلة المدرّعة التي نرتديها حالما تبرز علامات البلوغ، بدايةً من اجسادنا نهايةً الى اصواتنا.. نؤخذ من نواجذنا، ونتربّى على هِمم القادة، وعلى نهجهم، حتى نصبح على طبقة واحد تتماثل في امجادهم، أن نطّلع للعُلا مع تلك النجوم المتلألئة، في حكومة واحد لها مرامٍ مختلفة، وسياسةٍ واضحة.. (ران) الإعجاز البشري القائم على التفوق العسكري القاسي، والمؤهل للنصر أينما رسا..   قبل ارتداء البذلة، نودّع اهالينا، ونجرّب كل ملذات الحياة شريطة ان تمسّ اجسادنا، ونأكل الأطعمة من كل صنفٍ ونوع.. كأي انسانٍ طبيعي. وبعد ارتداء البذلة، نُمسي أناسٍ غير الناس، بأجسادٍ غير الأجساد، بعقول وقلوب كلها تكونُ مقفولة، ومفتوحةٌ لتوجيهات الأوامر فحسب.. فالتغذية تتم عبر الانانيب، والتنظيف عبر وعاء ضخم ندخل فيه فيلج بين مسامات في البذلة تخِصُّ تنظيف الجسد، إنما يتبقى الوجه عارياً دون تغطية سوى إن كنّا في مهمة او ما شابه.. ولا تُرتدى البذلة إلا في انتهاء النهج الدراسي. يمكن ان يتساءل المرء عن توقنا لحياةٍ عادية، او ان نكون بلا (ران)، ولكن، تلك التساؤلات تتلاشى حالما نُضَع على مهمة او إفادة، او حتى ت...